في خطوة تُعدّ الأضخم منذ اكتمال اندماج Paramount وSkydance بقيمة 8.4 مليار دولار، أعلنت الشركة عن نيتها تنفيذ خطة تسريح واسعة تشمل نحو ألف موظف في الولايات المتحدة خلال الأسبوع الجاري، على أن يتبعها نحو ألف آخرين في مرحلة لاحقة لم يُحدد موعدها بعد. وتأتي هذه الخطوة ضمن استراتيجية جديدة لخفض التكاليف وتحقيق وفورات تشغيلية تُقدّر بـملياري دولار، وذلك بعد أشهر من الوعود التي أطلقتها الإدارة الجديدة أمام المستثمرين في وول ستريت.

“نحن لا نريد أن نكون شركة تُجري عمليات تسريح كل ربع سنة، لكن علينا تنفيذ هذه الخطوات بكفاءة ومسؤولية.”

— جيف شيل، رئيس Paramount

خلفية الاندماج ووعود الوفورات

بعد الاندماج التاريخي بين Paramount وSkydance، تعهّد الرئيس التنفيذي ديفيد إليسون بإعادة هيكلة شاملة تُعيد توجيه الموارد نحو مجالات النمو الرقمي والإنتاج السينمائي عالي القيمة، وتقلّل الاعتماد على القنوات التلفزيونية التقليدية التي تشهد انحدارًا في المشاهدة والإعلانات. غير أن وعود الكفاءة اصطدمت بتحديات ضخمة، أبرزها تباطؤ سوق الإعلانات في الولايات المتحدة وتراجع عائدات التوزيع السينمائي، ما جعل خفض التكاليف الخيار الأسرع لاستعادة الثقة في الأسواق.

من سيتأثر؟

بحسب تقارير Deadline وBloomberg، فإن الغالبية العظمى من الموظفين المتأثرين يعملون ضمن الإدارات الأميركية، خصوصًا الأقسام المرتبطة بالبث التقليدي والإنتاج المحلي. في المقابل، سيبقى قسم CBS Sports بمنأى عن التخفيضات، نظرًا إلى طبيعة التزامات البث الرياضي والعقود الطويلة الأمد مع الشبكات الشريكة. وتشمل الخطة أيضًا مراجعة لعشرات المناصب الإدارية المكررة التي نتجت عن تداخل الهيكل التنظيمي بعد الاندماج، ما يفتح الباب أمام موجة إعادة توزيع وظيفي جديدة.

رحيل الأسماء الكبرى وإعادة رسم المشهد الإبداعي

إلى جانب التغييرات التنظيمية، تشهد Paramount تحولات مؤلمة على صعيد المواهب. فقد أكدت التقارير رحيل جون ديكرسون، مذيع CBS Evening News، مع نهاية العام. كما أعلن تايلور شيريدان—صانع عالم Yellowstone—انتقاله إلى NBCUniversal بموجب عقد ضخم يمتد حتى عام 2029، مع انتقال شريكه ديفيد غلاسر واستوديوه 101 Studios إلى NBCU في 2026. هذه التحركات تؤشر إلى فقدان Paramount لبعض أبرز عناصرها الإبداعية في وقت تواجه فيه الشركة أصعب مراحل إعادة هيكلة في تاريخها الحديث.

تداعيات اقتصادية على الصناعة الأميركية

تمثل هذه التسريحات ضربة جديدة لسوق العمل في قطاع الترفيه الأميركي الذي فقد أكثر من 50 ألف وظيفة منذ عام 2023، بعد موجات مشابهة لدى Disney وWarner Bros. Discovery وNetflix. ويأتي هذا ضمن سياق أوسع من التباطؤ الاقتصادي، وتحوّل في أولويات المستثمرين الذين باتوا يطالبون بتحقيق أرباح تشغيلية سريعة بدلًا من النمو القائم على التوسع وحده. وهنا، تبدو Paramount أمام اختبار صعب: كيف يمكن خفض الإنفاق دون الإضرار بالقدرة الإنتاجية أو فقدان الميزة الإبداعية التي شكّلت جوهر هويتها لعقود؟

محاولات استحواذ جديدة ومنافسة محتدمة

اللافت أن ديفيد إليسون، رغم انشغاله بعملية الدمج الداخلي، قدّم ثلاثة عروض متتالية للاستحواذ على Warner Bros. Discovery، إلا أن الأخيرة رفضتها. غير أن تلك الخطوات دفعت WBD إلى إعلان مراجعة استراتيجية شاملة تمهيدًا لطرح نفسها في مزاد مفتوح، مع ورود تقارير عن اهتمام كل من Comcast وAmazon. ووفق محللين في القطاع، تسعى Paramount من خلال هذه التحركات إلى تعزيز نفوذها استعدادًا لموجة توحيد كبرى قد تعيد رسم خريطة الترفيه العالمي خلال السنوات المقبلة.

العامل الإنساني والأثر الداخلي

بعيدًا عن الحسابات المالية، لا يمكن تجاهل الأثر الإنساني لهذه القرارات. فعمليات التسريح الواسعة تترك أثرًا نفسيًا عميقًا على العاملين داخل المؤسسة، وتخلق حالة من القلق الجماعي وعدم اليقين. لذلك، يؤكد خبراء الموارد البشرية على أهمية أن تُدار هذه المرحلة بشفافية واحترام، من خلال برامج دعم وانتقال مهني حقيقية تتيح للموظفين المتأثرين فرصة إعادة التوظيف أو التدريب. فالثقة الداخلية هي رأس مال لا يقل أهمية عن الأصول المالية.

مستقبل Paramount: بين ضغط الأسواق وطموح القيادة

تبدو Paramount اليوم في مفترق طرق: فإما أن تنجح في إعادة ضبط نموذجها المالي بما يضمن استدامة الربحية، أو تواجه خطر فقدان موقعها بين الكيانات العملاقة المنافسة. الرهان الأكبر بالنسبة لديفيد إليسون يتمثل في قدرته على تحقيق توازن بين تقليص النفقات والحفاظ على هوية الشركة الإبداعية. فإذا تمكنت الإدارة من تحويل الوفورات إلى استثمارات ذكية في إنتاجات نوعية وخدمات بث تنافسية، فقد تستعيد Paramount مكانتها التاريخية بوصفها إحدى ركائز هوليوود. أما إذا تمادت في تقليص الإنفاق على حساب الجودة، فإن خسارتها لن تكون مالية فقط، بل رمزية أيضًا.

تحليل Our Social Network

• السرعة قبل العمق: تقديم موعد التسريحات إلى أكتوبر بدلًا من نوفمبر يكشف عن رغبة في إرضاء الأسواق بسرعة، حتى لو جاء ذلك على حساب الاستقرار التنظيمي على المدى القصير.

• فرصة إعادة تموضع: رغم قسوة الخطوة، إلا أنها تتيح للشركة إعادة توزيع مواردها نحو مجالات البث الرقمي والمحتوى الأصلي، وهو ما يتسق مع التوجه العام في الصناعة.

• مخاطر النزيف الإبداعي: انتقال أسماء بحجم Taylor Sheridan و101 Studios يُعد إنذارًا مبكرًا بضرورة مراجعة سياسات جذب المواهب والاحتفاظ بها، لضمان بقاء Paramount في قلب المنافسة الإبداعية.

• الرهان القادم: قدرة ديفيد إليسون على تنفيذ وعود الوفورات دون خسارة جوهر العلامة الإبداعي ستكون العامل الفاصل في تحديد مصير الشركة خلال عام 2026.